الأربعاء، 5 سبتمبر 2018

[رواية] سايكو باس/صفر: الوحش الذي لا اسم له - الفصل 02


"إذا لم يكن هناك ما أفعله، فهل بإمكاني المغادرة؟"

نطقت كيرينو توهكو بينما كانت تشاهد الرجلان يحدقان ببعضهما البعض.

برد.

هذين الرجلين الماثلين أمامها بقيا يتجادلان دون التفكير بإعطاء الفتاة المسكينة المبللة من رأسها إلى أخمص قدميها أي مشروبات ساخنة أو حتى منشفة. درجة حرارة جسدها التي كانت باردة بالفعل إثر بقاءها في الخارج أثناء هبوب رياح فبراير الباردة قد انخفضت أكثر مع الجو المشحون الذي تقشعر له الأبدان بين هذين الرجلين.

"الجو بارد. ألا يمكنك رفع درجة حرارة مكيف الهواء؟"

في هذا العام، كانت توهكو تبلغ السادسة عشر من عمرها، لم يسبق لأحد أن عاملها بكل هذه الفضاضة من قبل، منذ اللحظة التي وُلدت بها.

كانت قد درست في أكاديمية أوسو الخاصة ذائعة الصيت مذ أن كانت طفلة، ونشأت تحت رعاية صارمة مع اولئك الفتيات المُميزات في مدرستها. حتى عندما تكون خارج أسوار المدرسة، فمجرد ارتداءها للزي المدرسي الموحد يفرض على الناس معاملتها بكل تهذيب.

لكن انظر لما يحدث هنا.

كان كلٌ من زيها المحافظ وشعرها الأسود الذي تعتز به غارقًا وملتصقا بجلدها... كانت في حالة يرثى لها لدرجة أنه ما إذا رآها والدها الصارم، كان سَيخرُّ باكيا وكأنه سدٌ قد تداعى. لا يبدو على هذين الشخصين البالغين الشعور بالقلق تجاهها على الإطلاق.

 شعرَت أن هذا لا يُطاق -جسديا وذهنيا.

ويبدو أن الرجل ذو الشعر القصير لاحظ أن توهكو كانت في مزاج عكر، ولذلك التفت للحديث معها بابتسامة ودية مختلفة عما رأته في وقت سابق.

"آسف، لتركك هنا، هذا الرجل عنيد للغاية"

مما سمعته من حديثهما، كان الرجل ذو الشعر الأسود هو المشرف على الرجل ذو الشعر القصير على الأرجح، لكن يبدو أن ذو الشعر القصير لم يُقابله سوى بقلة الاحترام.

هز الرجل ذو الشعر الأسود كتفيه بذنبٍ عندما حدقت به توهكو شاكّةً بعلاقتهما.

"آسف. سوف أقوم بتعديل المكيف وأطلب لك منشفة"

قال قبل أن يدير ظهره لتوهكو ويتحدث عن طريق الجهاز على معصمه، "منشفتين..." واحدة له، على ما يبدو.

كان ذلك جهازًا هولوغراميًا لا يُسمح سوى للموظفين الحكوميين بامتلاكه. كانت توهكو على وشك أن تميل قليلا لتتمكن من النظر إليه بكل فضول لمعرفة ما إذا كان مختلفًا حقًا عما هو لدى عامة الناس. لكنها قوطعت من قبل الرجل ذو الشعر القصير الذي كان يدنو أقرب إليها بدوره.

”زيٌ مدرسي لطيف، أكاديمية أوسو؟ لأولئك الفتيات المُميزات؟"

وبدلاً من أن تشعر بالدهشة من اقترابه المفاجئ، شعرت بالانزعاج أكثر بسبب مقاطعته لها. كانت توهكو تحدق فيه بسخط دون أن تبتعد. نظر إليها الرجل ذو الشعر القصير بدهشة قبل أن يضحك.

"يا لها من فتاة شجاعة"

قال، آخذا نفساً عميقا من سيجارته قبل أن ينفث الدخان.

لا يزال هناك من يدخن هذا الشيء القديم في مثل هذا العصر؟ هذه المرة اتجهت أعين توهكو الكبيرة إلى السيجارة التي كان يدخنها الرجل باهتمام.

"هاه؟ ماذا؟ لم يسبق لك رؤية شيء كهذا من قبل؟ هل تريدين تجربتها؟ " مع ذلك، عرض الرجل ذو الشعر القصير على الفتاة رُزمةً رثةً قبل تلقيه لضربة على الرأس من قِبل رئيسه.

"اتصلتُ بمدرستك. انتظري هنا، انهم في طريقهم إلينا"

شعرت توهكو بالبرودة أكثر عندما سمعت ذلك من الرجل ذو الشعر الأسود. عندما رأى ذلك، سأل:

"لا زلتي تشعرين بالبرد؟"

برد.

وحتى أكثر برودة عندما فكرت في التعابير الغاضبة لتلك المعلمة المزاجية ذات الوجه المجعد المليء بالازدراء عندما قالت لها "توهكو-سان، أنتِ مرة أخرى!؟"

"في الواقع... أستطيع العودة بمفردي"

"كيف يمكننا ترك فتاة تحت السن القانونية خارجا في مثل هذه الساعة؟ خاصة إذا وجدناها في منطقة مهجورة"

قال الرجل ذو الشعر الأسود لتوهكو الغاضبة.

"إن السير في المنطقة المهجورة أثناء منتصف الليل ليس هواية جديرة بالثناء. صحيح أنه لم يؤثر سلبا على طيف السايكو-باس الخاص بك حاليًا، لكننا لا نعلم ما ستؤول إليه الأمور إن استمررتِ بفعل ذلك"

شعرت توهكو بالضيق والبرودة عندما شعرت أنها صارت هدفا للتوبيخ عوضًا عن الرجل ذو الشعر القصير.

فبالنسبة لفتاة تبلغ من العمر ستة عشر عاماً كانت مسجونة في سجن كبير يُدعى "مدرسة داخلية للبنات"، هل كان من الخطأ الخروج للتسكع في البلدة لمجرد الحصول على القليل من الحرية؟

في الواقع، كانت تدرك مدى صعوبة الأمر بالنسبة لفتاة مراهقة أن تذهب لأكبر منطقة مهجورة في اليابان. ومع ذلك، لم تشعر بالأسف.

تظاهرت توهكو بالنظر بعيدا وبدأت اللعب ببخصل شعرها التي يصل طولها إلى كتفها.

هذا التصرف يعمل بشكل فعّال مع البالغين.

إذا التزمتْ الصمت، فسيفقد الرجل صبره في نهاية المطاف. وعندما ترى أثر فِعلتها، ستكون قادرة على الحفاظ على هدوئها بشكل طبيعي. توهكو تعلم أن الحفاظ على حالتها العقلية واستصغار البالغين بطريقة غير مباشرة كانت هي الطريقة المثلى للتعامل مع مثل هذه المواقف بالنسبة للمراهقين.

"مهلا، هل تستمعين إلي؟"

يبدو أن الرجل ذو الشعر الأسود يواجه موقفا صعبا مذ أن تحتم عليه التعامل مع تصرفها هذا، كما توقعَت.

أعادت توهكو شعرها للخلف بكل رضى بينما أدلت بلسانها إلى لخارج، قامت بفعل هذا سراً في ذهنها.

ثم سمعت الرجل الآخر يحاول كتم ضحكته في الجانب الآخر.

"حتى كوغامي لا يستطيع التغلب على فتاة من المدرسة الثانوية؟"

قال الرجل ذو الشعر القصير في دهشة، وهو ينظر إلى توهكو.

"فتاة مثقفة مثلك قد لا تعلم أن هناك أناس سيئون  في هذا العالم لا يشك فيهم الناس العاديون أبدًا... مثلي"

صرخت توهكو ورفعت حقيبتها لضرب الرجل الذي بدا فجأة وكأنه على وشك فقدان توازنه بسببها. لكنه سرعان ما تفاداها كما لو كان يعلم مسبقاً أنها ستلوح بحقيبتها نحوه. أمسك معصميها وثبتهما على الطاولة، مما أدى إلى سحب جسدها كذلك. فُتحت حقيبتها من شدة السرعة وأفرغت ما تحتويه من أشياء.

"آه…!!!"

"أوه؟ منعتكِ الصدمة من الكلام. بإمكانك أن تكوني لطيفة إذ- "

لُوِي معصم الرجل وسُحب عالياً، دُفع بعيدا عن توهكو قبل أن يتمكن من إنهاء جملته.

"آآآآآآععهه!"

"أنت... هذب نفسك"

اعتذر الرجل ذو الشعر الاسود بينما لا يزال يلف ذراع الرجل الآخر والملل يعلو محياه.

"آسف... سأضطر إلى إعادة تربيته"

ما كان هذا بحق الجحيم؟

لم تستطع توهكو أن تتمالك نفسها وانفجرت ضاحكة عندما رأت ما حدث أمامها.

حتى عندما كانت مبتلة بالكامل، أُخذت من قبل الشرطة لتتلقى التوبيخ (ومن المرجح أن يتم توبيخها مرة أخرى من قبل معلمتها)، عندما بدت الأمور سيئة للغاية... لكن هذا الموقف الذي رأت فيه شيئا ممتعًا جعلها تنسى كل هذه الأمور. تماما مثلما قالت معلمتها ووالدها: إذا قمتِ بحبس نفسك في مدرسة فتيات تتمتع بأمن عالٍ، فستفوتين على نفسك فرصة رؤية الكثير من الأشياء.

هذا هو السبب في أنها لم تستطع التوقف عن التسلل لرؤية العالم الخارجي.

تشكلت صورة وجهُ رجلٍ معين في ذهنها.


"ذلك الشخص" مما لا شك فيه أنه سيشعر كما تشعر هي تماما -لو كان الأمر كذلك، سيكون الأمر جيدًا جدًا. قامت بمسح دموعها التي تشكلت من شدة الضحك بينما كانت تفكر بذلك.




-يتبع....



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق