نظر كل من كوغامي
وساساياما إلى بعضهما البعض بعد أن أحالا ناظريهما عن توهكو التي كانت تعابيرها تتفاوت
بين أنواع مختلفة من الغضب إلى العبوس ثم إلى الضحك لفترة الآن.
في تلك الليلة،
وجدا الفتاة تقف في المطر وحدها في زاوية في المنطقة المهجورة.
تلك التي كانت
ترتدي الزي المدرسي الموحد مع تنورة ذات كسراتٍ أنيقة، حاملةً حقيبة مدرسية جلدية
سوداء بدت في غير محلها في ذلك المكان غير اللائق المليء بجميع الأوساخ والنفايات المتكومة
في المنطقة.
منظر جسدها المبلل
بالمطر لتنعكس عليه أضواء النيون بألوان مختلفة في المنطقة المهجورة ذكّرت
ساساياما بفيلم خيالٍ علمي كان قد شاهده من قبل، لذلك لم يسعه سوى التوقف للنظر
إليها.
ربما كان وصفها بعبارة
"الألماس في الوحل" مبتذلة بعض الشيء، لكن ساساياما ظن أنها كانت مناسبة.
كانت بشرتها
البيضاء التي يمكن رؤيتها من بين شعرها الأسود الغارق في المطر والملتصق بجسدها، قد
تلونت إثر انعكاس أضواء النيون -الأزرق والأحمر وحتى الأصفر - كما لو أنها كانت
تعكس تذبذب عقلها. وهذا ما جعل ساساياما غير قادر على الإشاحة بنظره عن الضوء
الوامض.
حتى الآن، كانت الفتاة
تجلس تحت الضوء المسلط داخل المكتب، كانت تعابيرها المتغيرة باستمرار تذكره بجوهرة
غير مصقولة تملؤها الألوان المتداخلة.
"كل ما أريد
قوله هو أنه عليكِ الاعتناء بنفسك!"
لم تعلم الجوهرة الجميلة
كيف يرى الآخرون إشعاعها.
ولم تدرك أن
سحرها قد يحرض من يلاحظه لفعل أمور عنيفة.
"لأن
الأطفال الذين هم في سنك يميلون للثقة أكثر من اللازم في أنفسهم. ظننتِ أنه حتى لو
حدث شيء كهذا، فستتمكنين من إيجاد مخرج بطريقة ما، أليس كذلك؟"
عجزت توهكو عن
الكلام عندما قال لها ذلك.
"اسمعي، في
هذا الوقت، قد تعتقدين أنه لا يوجد شيء في هذا العالم لا يمكنكِ القيام به، لكن ما
يجعلك واثقة جدًا هو جهلك. ليس هناك ما هو أكثر ترويعا من البكاء بسبب حماقة ارتكبتِها.
هذه نصيحة من شخص بالغ، لذا لا مجال للخطأ"
"ماذا بحق
الـ... تتظاهر بأنك ذو شأن عظيم... أنت مجرد مجرم كامن"
"هههه ... أنتِ
محقة"
ضحك ساساياما
وربت على رأس توهكو عدة مرات قبل أن يلتقط حاجيات الفتاة المبعثرة على الطاولة.
قام بالتقاط كل قطعةٍ
ملونة -تليق بذوق فتاة- واحدة تلو الأخرى. من بين تلك الأشياء، كانت هنالك كتب
ودفاتر ملاحظات يصعب اقتناؤها في عصرهم هذا، من بين العديد من الأجهزة
الإلكترونية مثل الأقراص وشرائح البيانات. يبدو أن مدرسة توهكو كانت تدعم وسائل
التعليم التناظرية.
كان هذا هو السبب
وراء تسميتها بالـ "المؤسسة المتحفظة الشهيرة". وبينما ظنّ ذلك، تفقد
ساساياما الحاجيات المتناثرة، ولفت نظره شيء ما.
"كاميرا ذات
عدسة واحدة..."
قطعة حالكة
السواد ذات عدسة مكبرة بحجم قبضة رجل، برزت من بين أشياء أخرى ذات ألوان باستيل الفاتحة
كالأصفر أو الزهري.
"انها طراز NICHROME D7000!
وهي رائجة جدا! أتستخدمينها؟"
مع ذلك، قام برفع
الكاميرا عاليا، لينظر من خلال العدسة.
"اوه! وزنها
يعطيك شعورا حقيقيا!"
"مهلا! لا تلمسها
كما يحلو لك! "
تفادى ساساياما توهكو
بكل سهولة والتي كانت تحاول استعادة كاميرتها قبل أن يفحص أجزاءها.
"ألا يزال هذا
الشيء يعمل؟ صناعتها تعود لعقود مضت؟ عندما كانت اليابان لا تزال دولة صناعية"
قال ساساياما،
دون أن يعير أي انتباه لـ توهكو التي كانت تثب صعودا ونزلا، في محاولة منها لاسترجاع
جهازها الثمين...
"دعونا نرى
البيانات"
ثم أمر جهاز
الهولوغرام خاصتهُ بعرض البيانات دون طلب إذن مالكتها، مما أدى إلى عرض الكثير من
الصور أمام ثلاثتهم بالتزامن مع صراخ توهكو.
"آنّى لك
فتح ملفات شخص آخر هكذا!؟ أنت فظيع!!"
"لماذا ا؟ أهناك
صور عُري؟"
"عُري... ماذا؟"
"إن كان
كذلك، فعلي تفحص الأمر إذا ♪ "
"اوي،
ساساياما..."
توهكو وصديقاتها،
وأماكن داخل مدرستها والجو العام خلال استراحة الغداء، من بين تلك الصور للحياة
اليومية المسالمة، كان هناك مزيج من صور المنطقة المهجورة كذلك.
"هذه...؟ هل
التُقطت هذه الليلة؟"
سأل كوغامي عندما
رأى تلك الصور.
"أجل! ظننتُ
أنني سأتمكن من الحصول على بعض الصور المثيرة للاهتمام من المنطقة المهجورة! والآن
أعدها إليّ!"
كان ساساياما هو من سأل توهكو التي احمر وجهها غضباً هذه المرة.
"صور مثيرة
للاهتمام...؟ حقا؟"
"ماذا؟"
"إن هذا المستوى
المتدني لدقة التركيز والإضاءة سيكون مشكلة أكبر من كون الصور غير مثيرة للاهتمام
من الأساس"
أصبح وجه توهكو أكثر
حرارة واحمرارًا كما لو كان مُلثما بشريط ألوانٍ عندما قيل لها ذلك.
واضافت "هذا... لأن...! أنا لا زلتُ اتعلم!!"
انتزعت الفتاة
التي كانت غاضبة وخجلة كاميرتها المحبوبة من ساساياما، مما أدى إلى اختفاء الصور
المجسمة فورًا.
ألا يوجد ما
يُطلق عليه بالخصوصية في قاموس الشرطة؟... فكرت توهكو بينما كانت تحاول تهدئة نبض
قلبها السريع.
التفتت عندما
سمعت صوت آلة ورأت عامل روبوتٍ اوتوماتيكي يحمل المناشف بصمت أمام الباب الزجاجي.
سار ساساياما مباشرة باتجاهه كما لو لم يكن يفعل شيئًا قبل قليل وأمسك
بالمنشفة.
بدأَت تهدأ بعدما
أحست بالنسيج الناعم والرائحة الحلوة من نقاء النسيج. شعرت أن الاضطرابات السابقة تلاشت،
وأن جسدها أصبح ثقيلًا فجأة. وهذا ما جعلها تدرك مدى طفوليتها لدرجة أنها تنهدت.
كانت تصرفاتها
الطفولية هي ما قللت من اهتمام ذلك الرجل بها.
-يتبع....
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق